ابو رجيلي: المادة المجبولة بالعصب
يتحدر ايلي ابو رجيلي من سلالة تابياس ووولس وفوترييه، في اعماله غنائية قاتمة تجعل من المادة اللونية هيكل اللوحة وجسدها وروحها. المادة خصبة، عزيرة و"دسمة"، تجمع في نسيجها بين الرملي والصمغي، الجاف والزيتي، الحركة حية وليدة العصب والنبض والانفعال، يجبل الفنان ألوانه بعنف، يبعثر المساحات والأشكال واللحظات فتتآلف في ما بينها، في إيقاع عابث وعاصف. تلتقي المواد اللونية بالمواد غير اللونية. اسلاك معدنية، خيوط من الحبال، قصاصة من ورق الجدران... كلها هنا تجتمع على مسافة اللوحة، تلتقي وتنصهر حتى تشكّل مادة جديدة تشكل جسد العمل. هنا، لا تحتاج التعبيرية لملامح وجه أو لخيال جسد، فالأشكال والألوان تقولان الحالة من دون اي إستدعاء لصورة الإنسان.
يذوب الرسم في حريق الإشكال واللطخات والمساحات، الابعاد غائبة الأفق، واللوحة في فضائها اشبه بجدار تجمع قماشته بين الناتىء والأملس والخشن واللزج والجاف. للأسود حضور ثابت في تجلياته وتدرجاته الرمادية: الألوان رملية داكنة خالية من كل "حرارة"، فالمادة هنا "لون" اللوحة، فضاؤها وجسدها، جوهرها وخلاصتها. يصفها الناقد جان روجيل ببناء يشيد بين الجلد واللحم. لا رسم، لا لون، لا تلوين. النتاج هنا ولادة، برعم ينمو تلقائياً، في نظرة تعبر بين الواقع والمتخيّل.. لا مؤثّرات بصريّة ولا إغراء لوني، بل فضاء تجريبي لتآليف لا تتوقّف، حيث المساحة كلّها آيلة لتلقّي الأكثر التباساً والأقل إحتمالاً... حيث المادة كائن يجهل الشكل الثابت، حيث الخيال ما هو الا نظرة جافة باردة، تنزع عن المشاهد وجوده كلّه.
محمود الزيباوي