All
x
Revoir l'autre côté / Annahar - Supplément
Revoir l'autre côté / Annahar - Supplément
2001-May-12
Revoir l'autre côté (solo) @ UNESCO, Beirut, may 2001
معرض ايلي ابو رجيلي : مخاطبة التقنيات والمواد
مهى سلطان

بارع ايلي ابو رجيلي ومتين. هواه التجريب، هاجسة التقنتيات والخامات والمواد، بإيحاءاتها وطاقاتها وملامسها المتنوعة. أما معرضه في صالة قصر الأونيسكو (حتى 10 أيار) فيُعلن حضور فنان تجريدي شاب طالما زاول تجاربه في باريس حيث يقيم، جامعا في شخصه شخصيات، وفي أسلوبه أساليب ترتمي كلّها في آفاق ما بعد الحداثة.

الإنطباع الأول الذي يمنحنا إياه معرض ابو رجيلي هو دهشة الوقوف على اختلاط التقنيات ومدى تنافرها أو انسجامها. نشعر اننا إزاء حال استعراضية كبيرة لشاب شاطر، عينه سريعة التأثر وحيويته تجعله يبتكر وظائف جمالية استثنائية للأشياء المهملة والهامشية. ربما من هنا تبدأ القراءة الحقيقة لذلك الفن الذي يخترق قواعد اللوحة الأليفة ليقترح بديلاً منها، في تكاوين مؤلفة من مواد فقيرة، فيتراءى على سطح اللوحة قماش الخيش وقطع الخشب والورق والحصى والقش والغراء والمواد اللونية. هذه كلها في سبيل رؤية تجريدية مبسطة. إيحاءاتها نابعة من ملامس الخامات وتأثيراتها البصرية، وكذلك من علاقة المواد الخشنة الصلبة والقاسية حين ترتبط بالسطح التصويري المتقشف لونياً وشكلانيا، لولا وجود مثلث صغير يشغل حقل اللوحة مع خطين ربما لسياج ولسكة قطار.

وبدلا من اللوحة نرى شكل المربع في علبة صغيرة. نصفها مغلق ونصفها الاخر مفتوح لكنه مغطى بزجاج شفاف. علبة طريفة ومتماسكة في رؤيتها ومعالجتها، من الصغيرة إلى الكبيرة المتعددة الفتحات والدرفات، كأنها نوافذ على الداخل، تعكس في تقاطعاتها علاقات معقّدة للكائن مع محيطه المكاني ومساحة وجوده المأزومة. لعل هذا القلق من التجذر المكاني هو الذي يبعث على الاحساس بعدم الراحة والتفتيش عن فسحة اخرى. في هذا المعنى يتغير قياس اللوحة وشكل اطارها والعلاقات التي تحكم موادها، كأنها مرحلة منفصلة عن التي سبقتها. فالالصاق المتعمد للمواد يغدو اكثر تعقيدا في اسلوب ينحو في اتجاه التركيب والتجميع، يعكسه الحامل نفسه. وننسى لوهلة أننا كنا في نطاق احوال المربعات وتنويعاتها التي وصلت في تبسيطها إلى الأقل في من المينيمال.

وبدلاً من الخط يمد ابو رجيلي حبلاً أو خيوط من القنب يربط بها نقطة بأخرى، في شكل مباشر ومحسوس. لا ادري اذا كانت هذه الأشياء تشغل العين أكثر من اللازم، لانها اشياء زائدة تصرف النظر عن تأمل العمل التجريدي الذي يقع دونها حين يلتقطها! لكن الفضول يأخذنا إلى شباك قديم لوّنه الأرض مشغولة بذاتها.

ابو رجيلي مثل ريش العصفور، كل ريشة بلون. وفي ذلك يضا منحى آخر من التشكيل متصل بذاكرة الأشياء الحميمة، ومزاج ابو رجيلي يجعلنا نقف امام نماذج من آثار او بقايا إنسانية محفوظة داخل مربعات زجاجية كأنها عينات ختبارية أو واجهة لقطع أثرية في متحف عصري.

ويترسخ في العين اكثر فأكثر، كلما تقدمنا في قراءة الأعمال عن بُعد، ذلك التأليف المتصالب الذي يبدو انه يشكل القاسم المشترك لمختلف مراحل العمل، التي تتنفس على إيقاعات متباينة. إذ ان التوظيف الموازي للأشكال يصل إلى حال الإنشاء، في عمل تشكيلي مؤلف من ثلاث قطع على غرار فن المتدليات الطوطمية احيانا، حيث تترابط اللوحة العليا باللوحة السفلى بواسطة آنية بيضاوية فخارية تحمل قشا من بيادر الأزمنة الآفلة، معلقة مثل عين أو حرز. لعل غرائبية هذه الأشكال انها توحي البدائية وأثار الزمن وانها آتية من مجتمعات غير متحضرة تزاول صناعاتها اليدوية. هل في لوحة "الأنا" يريد الرسام أن يقول الشيء نفسه حيت يتأمل صناعة يديه؟

يبدو أن الخشب القديم هو مادة أثيرة لدى ابو رجيلي، تقربه من فن البيئة ومن الإنسان والطبيعة في آن واحد. نراه يرسم الحقل الذي يشتهي أن يتنزه فيه ثم يسوّره بقضبان من الخشب. في اعمال اخرى يذكرنا بأشكال سيزار وعلب كلافيه وتغليف كريستو، نافيا الحدود الفاصلة بين الرسم والنحت والتجهيز، متماهيا مع المادة. يتجلى ذلك في عمل مؤلف من قطعتين. واحدة معلقة على الجدار واخرى مستندة إليه، حيث الحبال تُشكل خطوط التأليف وتجمع خطوط الفكرة حول يد الفنان وادواته لاسيما فرشاته المتجمدة.

 وفي مجموعته المسماة "مساحة مغلقة" لكل لوحة مفردة مستقلة وفكرة تكتفي بذاتها، وذلك في مناخات تجريدية شفافة وبسيطة. اما مرحلة اخرى فتنويعات خفية لعلاقات المربعات ذات الألوان الصفراء والرمادية الفاتحة، حين نلمح احيانا الأثر والخيط الدال عليه، والنقطة والبقعة، والخربشة والدائرة. ثم وحدة المربع أو تكراره في محيط المستطيل، وذلك في مسار يكمل مشوار موندريان وماليفيتش والبرز. لعله يناقضهم في إنقلابه على المربع نفسه. غير أننا لا نفهم كيف يمارس ابو رجيلي أنواعا تجريدية في آن واحد وكيف ينتقل في عضون سنتين من فن الأقل إلى فن الأقصى في تعاطيه مع التقنيات، ومتى يطمئن للشكل ومتى يثور عليه. فالمواد عليها ان تتكلم كلغة في يقين بويز لأن لها دوافعها وأعماقها النفسية، أما شويترز الذى اوصل فن التجميع بالتقنيات المختلطة على الذروة فيقول: " الموادغير اساسية الا من خلالي."
           هل ينبغي أن نجاري ايلي ابو رجيلي في قفزه لنكتشف موهبته الفذة وبداهته ومهاراته المتنوعة، أم نتريث لنرى في الغد كيف تتطور الأشياء وتنمو، وعلى ضوء اي حاجة وفي ظل أي محرضات؟