All
x
Revoir l'autre côté / Al Ousbouh Al Arabi
Revoir l'autre côté / Al Ousbouh Al Arabi
2001-May-28
Revoir l'autre côté (solo) @ UNESCO, Beirut, may 2001

لوحة لا وجود فيها للمؤثرات البصرية ولا لمحاولات الجذب اللوني

لم يربك الفنان ايلي بو رجيلي نفسه بالشخصيات او المشاهد ولا بالأشياء اليومية... فلا وجود لمؤثرات بصرية ولا لمحاولات جذب لوني في لوحاته – اللوحات المائة التي توزّعت وفق ايقاع وتوازن وتماثل دينامي معين في احدى صالات قصر الاونيسكو (من 3 حتى 10 ايار – مايو) بشكل يخدم العمل ومقاصد صاحبه المشتغل بالمادة Matérialiste منذ خمسة عشر عاماً... فجعل لوحاته تحمل بصمات لنفس سماوية وحياة معقدة ومجددة حيث تقاس المادة على نفسها وبنفسها ولا تتغذى الا من نفسها. وهذا طبعاً يتطلب من المشاهد بعض الوقت لوقفة تأمل وسط غمار حياتنا المعاصرة المضطربة، عندها فقط تولد وتستيقظ عملية الفهم والاحساس العميق...

ايلي بو رجيلي:
هويت من الطبقة الفين واجهل ما ينتظرني تحت

 آمن بو رجيلي بان الكون له معنى آخر مختلف عن الذي نعيشه كل يوم، ولم يقصد طبعاً المعنى الذي يعيشنا بل الذي يخلقنا ويميتنا في معرضه نظرة من الجانب الآخر او اعادة النظر الى الجانب الآخر لم يهمل المواصفات الفنية للوحات، لكنه ذهب من خلالها الى مطارح ابعد واعمق فحملت كل واحدة مجموعة من الرموز والمدلولات... "حاولت فقط طرح اسئلة تتمثل بأوتاد نقطة هنا وأخرى هناك واسأل ترى ماذا يوجد ضمنها وخارجها ما الذي كان قبلها وماذا سيحصل بعدها".

 

السؤال الحقيقي

             لقد استطاع بو رجيلي تخطي الهاجس الحياتي اليومي، وفلت من مغناطيسه، فراوده السؤال الحقيقي الذي ربما لا يجد له جواباً ابداً: تساؤلات كثيرة تتعلق بعلاقاتنا مع الأرض ومع أنفسنا، ماذا نفعل هنا والى اين نذهب؟... لكن الى اين وصل الفنان في رحلة بحثه؟ تصعب الإجابة على هذا السؤال "اشعر وكأنني رميت بنفسي من الطبقة الألفين (2000) انا في طريقي واجهل ماذا ينتظرني في الأسفل" او بمعنى آخر "احس كأنني ولجت فوهة قمع كلما صرت فيه يتوسع الأفق اكثر واضيع اكثر... قد يشعر الإنسان أحياناً وهو يقطع في رواق ضيق انه عرف ووجد ضالته وتبين طريقه، لكن من اراد البقاء هناك يتحول نحو التعصب الفكري والتطرف، ويميل نحو الأفكار الجامدة. لكن هذا الرواق الضيق سرعان ما ينفتح فيتيح لمن يشاء مواصلة المشوار!"

           اما كيف جسد بو رجيلي افكاره في المعرض عملياً؟

لفتته في الطبيعة اشياء كثيرة نمر ربما يومياً من امامها ولا تعني لنا شيئاً: نوافذ خشبية مخلّعة كسور المقتنيات المستهلكة، خردة المهن اليدوية... لكنه لم يتبع مدرسة البوب آرت القائلة بان الفن لا يخرج عن نطاق حياتنا اليومية، اتباعها احضر الأشياء الخام الى معارضهم بينما بو رجيلي البس هذه المواد، اعطاها الدفء واعاد احياءها.

فنان مادوي

هو فنان ماديّ (مادة) لم يخضع لتأثيرات فنية مباشرة، لكن صدف ان فكرته تلتقي مع افكار فنانين سلكوا الدرب نفسه. برأيه ان اللوحة ليست عملاً نبيلاً توضع في مكان نعبره بل انها تنتمي الى يومياتنا، لذلك حاول اعادة الإنسان الى عالمه "خشبة ميته في البرية لها قيمة تحمل رسالة نبيلة خاصة بها، اذا عرفنا كيف ننظر اليها..." تماماً مثل حاوية للقمامة ملونة في حي قديم بالقرب منها هرة تموء لا تهم المارة، لكن المشهد نفسه يستوقف المصور ليأخذ اللقطة... يصعب تصنيف عمل بو رجيلي لا يمكن القول انه مادي لأنه لا يحتوي على الكثير من المادة، بل يربط بين المادة والتجريد و"المينيماليسم Minimalisme اي استعمال اقل عدد من الالوان والمواد على طريقة الرسم التجريدي...

 

اعماله تحكي عنه

             عمله ليس تجريدياً محضاً، لان فيه اشكالاً جامدة ثابتة لديها وزن في مكان ما، هي لا تسبح في الفضاء. لوحات ايلي بو رجيلي لديها خصوصية معينة تعبر عنه لكنه لم يفعل مثل سيزار الذي وقف وقال هذا انا، انا اللوحة، بل اعتمد على اشكال محددة... فكره يدخل في العمل، يتفاعل معه ويتحدث اليه...

"لا وجود لعقدة التقنية بالنسبة الي، هذه المشكلة عانى منها رسامو الزيت في الماضي في القرون الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر. كانت ثورة صناعية بحد ذاتها استعملوا هذا التقنية واوصلونا الى فن عصر النهضة. اما عصرنا اليوم فيعطينا تقنية جديدة لا يمكن ان نرفضها. يجب ان يشبه الفنان الجو الذي يعيش فيه ويكون ابن عصره".

 اللون... حجة الرسم

اللون لا يعتبر معياراً اساسياً في عمل بو رجيلي. هو يعمل على المادة وصدف ان لها لوناً, "اللون هو حجة لكي نمسك بالريشة ونبدأ الرسم" من هنا ينتهي اللون كلون ويبقى كمادة وعلاقة مع باقي الألوان والمواد ومع الفنان، علماً انه لم يهمل ابداً عملية توزيع الألوان والأضداد والخطوط والتأليف.

دينامية

أهم ما في المعرض "نظرة الى الجانب الاخر" وميزته الرئيسية هي طريقة عرض اللوحات وتماثلها الدينامي ان يشعر الناظر الى اللوحات ان فضائها فيه تماثل Symétrie لكنه في الوقت عينه يدخل الى الداخل وينفتح... طريقة استعراض اللوحات ذات الأحجام الكبيرة والصغيرة والمتوسطة، ارتفاعها وانخفاضها هذا الإيقاع متعلّق باللعبة كلّها، اي بالرمزية المخبأة وراء الأشياء التي نراها ولا نتسائل عنها... الحقيقة ان هذا الريتم في التوزيع يزيد على اللوحات الموجودة لوحة كبيرة التي هي المعرض. وتلك اللوحة في الوسط بدون تاريخ ولا توقيع، ولا حتى سعر لا يمكن الا ان تثير تساؤلاتك وتستوقفك ما المقصود منها؟ ولماذا وضعت في هذا المكان بالذات، وتحت هذه المواصفات؟ اذا فكرنا بعنوان المعرض ندرك ان هذه اللوحة في الوسط هي الباب الذي يوصل الى ما وراء الأشياء التي نظنها انها نهائية اذا فتحنا الباب من المحتمل ان تطالعنا غرفة او لا شيء، الفضاء... هذه هي الفكرة "الميتافيزيقية" الرمزية لكن لا يمنع انها لوحة بحد ذاتها متكاملة موزعة جيداً تحتوي على ايقاع وتوازن وتتوافر فيها جميع مواصفات العمل الفني. وحين سألت الفنان عن لوحة أخرى شدّتني اليها بقوة فاوضح ان عنوانها سحر او فتنة شحب الناظر اليها الى الداخل اي الى التساؤل والنظر في كل شيء.

النوافذ

- اما موضوع النوافذ فاساسي في المعرض لماذا؟

 كون النافذة تمثل فتحة الى عالم ثانٍ كما ان تعليق اللوحة في البيت يمثل فتحة الى عالم آخر، ربما لهذا السبب ارتبطت اللوحة بالحائط كونها تفتح المساحة التي نعيش فيها الى افق آخر تجعلنا نفكر باشياء اخرى وترسلنا الى مطارح ثانية اذاً هذه النوافذ في المعرض أساسية لسببين، يقول الفنان الناحية الأولى جمالية تتعلّق بعمر النافذة وذاكرتها التي تعيرنا اياها وليس العكس. في المعرض تندمج ذاكرتها مع ذاكرة بو رجيلي وتنفتح... لون النافذة والخطوط والمربعات تدل على مركز الضغط فيها، تدل المشاهد على نقطة الدخول التي يراها كعمل فني.

 رسالة

عبر هذا المعرض يوجه الفنان رسالة ليفهم الناس ان وجود الآخر حقيقي ونهائي ولن يختفي اذا نكرت وجوده. لكن يسوء بو رجيلي كثيراً ان يهتم الجمهور بالأمور السطحية فقط. فيفكر اذا كانت اللوحة تتلائم مع بيته ويريحه النظر اليهاويتعلق المتفرج بالامور التزيينية ويبتعد عن الفن كفن: مجتمعنا يعاني من مشكلة عضوية فيه يذهب صوب عملية تسخيفه.

من المفترض الا يقف المشاهد بلا مبالاة امام اللوحة لأنها تدفعه الى السؤال عما قصده الفنان وعما يراه اي المشاهد وهل يراه الغير؟ لكي لا تتحول علاقة المتفرّج باللوحة الى سطحية يوجه بو رجيلي طلابه في معهد الفنون لان يفكروا بطريقة اخرى مختلفة، وان يلغوا من ذاكرتهم كل الاحكام المسبقة التي تكونت لديهم عن الاشياء وان ينظروا بعين جديدة نظرة الانسان ولو للتو. "طبعاً ذاكرتكم ستبقى لكن دعوها تغني ولا تفقر، ولكي تغني يجب ان تنطلق من اساس الأشياء". اي من التفكير ان التفاحة ولدت بذرة مثلاً من لا يرى هذه العلاقة لحياة التفاحة قبل ان تصبح ما هي عليه، من لا يدرك ان التفاحة الحمراء والصفراء، كل واحدة مرّت عندها ذاكرة، ليس له علاقة بالكون الذي يعيش فيه.

 تأثير

 - لكن... يتبادر الى الذهن سؤال: هل تأثر الفنان بفلسفة معينة؟

تأثرت بكل الفلسفات وبكل الأديان انا لا ارفض شياً، كل ما يناسبني واجده عند اي دين او فلسفة احاول ان افهمه اقراءه، اراه اعيشه اذا وجدته يناسبني... احاول فتح الأبواب التابعة لكل الأشياء لان كل ما كان يوصل... وكذلك اذا نظرنا الى فرويد وبعده يونغ، قد يُخيل الينا انهما متناقضان لكن يتبين لنا ان كلاً منهما طرح الأسئلة ذاتها والفارق الوحيد ان الثاني طرحها من جانب آخر.

 الجانب الآخر

- كل هذه التساؤلات طرحها الفنان عبر لوحاته ذات المدلولات الفنية عن الجانب الآخر... هل وجده وكيف يراه؟

لم اجده بعد رحلة البحث مستمرة كلما تقدمت في طريق اشعر بضياع اكبر.

- لكن هل ترى نوراً ام ظلمة؟

لا ارى شيء، في بعض الأحيان ارى اللون الأبيض والأسود في أحيان أخرى او الأحمر... قد اجد الجو مقفلاً او مفتوحاً. انا اسير او بالاحرى اقع بسبب جاذبية جسمي، ليتني مثل أيكار احترق فوق فاعرف ماذا هناك. والخلاصة ان الذي لا يموت لا يمكن ان يكون الا الشك وهوخيال غير ناضج ناجم عن عملية خلق فورية... غبار... غبار...