All
x
Thot'Thèmes - Al Jarida newspaper
Thot'Thèmes - Al Jarida newspaper
2008-04-21
Thot Thèmes (solo) @ CCF, Beirut, from 12/04 to 28/04/2008

الفنّان التشكيلي إيلي أبو رجيلي:
لا أعترف بالرسم... والمواد النبيلة فقدت معناها

بيروت - حمزة عبود

يصف الناقد الفرنسي جان روجيل أعمال الفنان التشكيلي إيلي أبو رجيلي بأنها حقول تجارب لإعادة تأليف مستمر، وهي تقوم دائماً بـ{اللعبة» الأكثر تعقيداً والأقل توقّعاً. وإذا كان مسكوناً بهاجس التجريب فإنه بارع في الوقت نفسه في قراءة الاحتمالات التي تحدد معالم اللوحة واقتراح علاقات تشكيلية بصرية وذهنية يتآلف فيها الواقعي والغرائبي.

خلال معرضه الأخير في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت، كان لنا هذا اللقاء مع الفنان إيلي أبو رجيلي.

ما يلفت في أعمالك هو تنوع العناصر الطبيعية والصناعية داخل اللوحة، ما هي حدود التأليف وحدود المصادفة في هذه الأعمال؟

أظن أن للصدفة دوراً كبيراً في إنجاز الأثر الفني. وبالنسبة الى هذه اللوحات، هناك مواد مختلفة اكتشفت صدفة (إطار خشبي، تمثال قديم، لعبة...) فوضعتها في كادر أو في حيّز من اللوحة تبدو كأنها تعيش أو تقيم فيه بصورة طبيعية. التأليف بحد ذاته مدروس في اللوحة الى درجة تجعل الصدفة تأخذ منحى عبثياً وعفوياً في آن. في النهاية أنا أعمل على تفكيك الذاكرة وإعادة تركيبها بواسطة عناصر خارجة عن طبيعتها وعلاقاتها الأولى، وتأليفها من حيث نتوهم أنها أخذت تتقطّع في مساحات وأبعاد مختلفة . العمل الفني يعيد الصلة بين الأشياء والكائنات، التي تبدو على الرغم من بداهة ظهورها (في الواقع) على قدر من الجدّية والغرابة!

كيف تتشكّل اللوحة في مخيلتك، أعني ما الذي يثير أو يبعث على انجاز اللوحة؟

سئل بيكيت مرّة: لماذا تكتب؟ قال: لأنني لا أصلح لشيء آخر، أشعر أنني أبدأ الرسم لأنني أريد أن أرسم ولأنني لا أستطيع أن أقوم بعمل آخر. ما يقوم به الفنان أو الكاتب يصبح جزءاً من طبيعة الشخص. ليس ثمة دافع واحد يحث على المباشرة في لوحة ما. تظهر دون مقدّمات، وأجد نفسي أباشر العمل فيها ليصبح العمل بحد ذاته دافعاً وغايةً في آن. اللوحة تتشكل من عناصر لم تكن تخطر لك قبل مصادفتها أو التأمل في أبعادها، من حكاية أو علاقة أو صورة أو فكرة أو سؤال أو اعتراض.... هذا هو مصدر غنى العمل وتنوّعه، وهو ما يفسّر أن اللوحة لا تفصح عن بعد أو مشهد واحد (يقوم على أبعاد وعلاقات متناسبة). الدافع هو أيضاً سرّ اللوحة، الذي لا ينكشف إلاّ في مرحلة انجازها. 

ما هي حدود التقاطع في لوحتك بين الفكرة والصورة وممّ يتعيّن عالم اللوحة؟

في الاثنين معاً، الأفكار والصور تأتي دفعة واحدة. والصورة ليست تظهيراً لفكرةٍ ما، بل هي، بحد ذاتها، حالة فكرية. وهذا هو منحى التجريد في الأصل. إن ما أجده أو ابحث عنه فيها يدخل في مخزون الذاكرة ليتحول الى عنصرٍ جديد في تكوين الإدراك. في البداية أحدد الإطار الذي يُظهر (أو يمكن أن يُظهر) أبعاد الصورة كحالة بصرية وفكرية، وما يحدث في الداخل هو محاولة للخروج من هذا الإطار. إنه نوع من التمرد على ما قمت به.

في اللوحة أنت تضع نفسك في مكان أو فضاء لـ{اللعب» ثم تبدأ بتحطيمه (تحطيم المكان)، والإطار، إذاً، لا يحكم حدود اللعب بل هو حافز لكي تبتكر لعبة مختلفة وجديدة.

في عدد من الأعمال تستخدم الأطر والمواد الناجزة (كما هي في واقعنا اليومي: إطار، نافذة، ألوح خشبية، مقاطع كرتونية، حبال ستائر، دُمى، أدوات قديمة...) ما الذي تريد أن تقوله في استخدام هذهِ المواد؟ هل تقصد أن اللوحة، عبر هذهِ المواد، تصبح عملاً عادياً؟ أقصد أن اللوحة تبدو جزءاً من ذاكرتنا. ثمة هاجس يتملكني في علاقتي باللوحة أو في التفكير بماهية العمل الفني إجمالاً. بالنسبة اليّ، العمل الفني لا يخضع لقواعد ومقاييس ثابتة. المواد النبيلة أو المنمّقة تفتقد معناها إذا لم تكن محمّلة بذاكرة ما. وغير النبيلة تكون، غالباً، محملة بذاكرة أكبر، لأنها تحتك بيومياتنا، لذلك أستخدمها. كل مادة في اللوحة لها ذاكرتها وحين نجمعهما نخلق ذاكرة جديدة مركبة يصبح بإمكانها أن تعيش وحدها على نحوٍ مستقل. اللوحة هي المواد المستخدمة وإن اختلاف «ذاكراتها» ووظائفها هو الذي يستدعي تشكيلها على نحوٍ ما.

يبدو أنك تتخلى في معظم أعمالك عن الريشة وتلجأ الى استخدام أدوات غير مسبوقة، ألا يغيّب ذلك أحد أبرز تقنيات الرسم؟ ما الذي تحاول أن تقوله في هذا المنحى التشكيلي؟

لا أعترف بالرسم، وقد يكون عاملاً من عوامل تكوين العمل الفني، إلا أنه لا يحدّد صيغته النهائية. كانت التجارب الفنية، منذ نشوء الفن حتى الفن المعاصر مروراً بعصر النهضة في ايطاليا والاتجاهات الحديثة في مطلع القرن العشرين، تفضي في كل مرّة الى نوعٍ من الجمود بسبب ارتباطها بالعوامل التقنية. وكان العمل الفني يتحول في نهاية الأمر الى مجرد عملية تقنية. التجربة الفنية إذا لم تفضِ الى تجربة جديدة فإننا سنتوقف عندها باعتبارها انجازاً تقنياً فحسب.

تبدو المواد المستخدمة في اللوحة في كثير من الأحيان قديمة ومتآكلة أو هي على الأقل من مقتنيات وآلات مضى عليها الزمن، كيف يتحدد زمن اللوحة في أعمالك؟

أعتقد أن غاية العمل الفني هي أن يعيش وحده وأن يكون في عصره متجاوزاً الزمن الرياضي... ما بين أيدينا اليوم، حتى الأشياء التي نستعيدها من أزمنة قديمة، هي، في وضعها الراهن معاصرة. يتحدد زمن اللوحة في أزمان المواد المستخدمة المنصهرة في داخلها لتشكّل ذاكرة جديدة تعيش في اللحظة أو الحالة التي تنتجها اللوحة.

تتوقف، في حياتك الخاصة، عند معالم من أزمنة غابرة: بيت قديم، إطار نافذة مخلَّعة، جدران متهدمة، معلم أثري، قناطر متصدعة، ماذا تجد في هذه المعالم وكيف نجد انعكاساتها في أعمالك؟

أحتاج الى ذاكرة الأشياء والمعالم والناس ليس لكي أغني ذاكرتي ولكن لكي استطيع الامساك بذاكرة كل ما حولي. تشكّل محاولة امتلاك هذهِ الذاكرة بارقة أملٍ في امكان أن أجد أجوبة عن أسئلة تقلقني على الرغم من اعتقادي أنني لن أجدها وأن الأسئلة ستتوالد على نحو لانهائي.

في أعمالك ميل واضح للنقش أو الحفر أو استخدام مواد ناتئة مما يجعل اللوحة سطحاً طبيعياً، كيف يمكن التأليف بين هذهِ التعبيرات الواقعية والمنحى التجريدي في أعمالك؟

المنحى التجريدي في لوحاتي ليس تجريدياً بالمعنى الكلاسيكي وليس مساحات تعيش بذاتها. وانطلاقاً من هنا فإن النقش أو الحفر أو استخدام المواد الناتئة كالحجر والرمل... تمنح هذهِ المساحات بعداً آخر يتجاوز بعدها الهندسي. ولكنها تظل تجريدية، وما استخدمه فوقها يخلق عالماً جديداً موزعاً بين المساحة المجردة والعناصر المضافة (التي أخذت أبعادها في الذاكرة البشرية). ولذلك فإن لوحتي لا تقوم على المحاكاة (بأبعادها الحسية المباشرة) وليست لوحة قصصية ولكنها أثر ذهني!