All
x
Thot'Thèmes - Al Zaqura
Thot'Thèmes - Al Zaqura
2008-04-07
Thot Thèmes (solo) @ CCF, Beirut, from 12/04 to 28/04/2008

معرض للتشكيلي اللبناني إيلي بورجيلي ... الاحتفاء بالمادة بحثاً عن ذاكرة رملية

مها سلطان

تاريخ النشر      07/04/2008 06:00 AM


لوحة من المعرض 
رملٌ وحصى، أرض وفضاء، خشب وحبال، طقوس وشعائر، تتقاطر في سياق استذكاري لحضارات بدائية مستعادة بأسلوب الدادائية - المحدثة وفن التجميع، أطلت في جديد الفنان التشكيلي اللبناني ايلي بورجيلي في معرض أقامه في صالة المركز الثقافي الفرنسي (طريق الشام - بيروت) ضم 77 لوحة وعملاً تجهيزياً (مواد مختلفة على خشب وورق) عكس فيها اختباراته المعمقة على المسطح التصويري من خلال ما تمنحه المواد المختلفة من علاقات وإيحاءات. والفنان أقام منذ العام 1986 العديد من معارض فردية في فرنسا وشارك منذ العام 1981 في تظاهرات ومعارض وبيانالات عربية وعالمية.

 

إيلي بورجيلي اختباري في طبيعته، مولع بالخامات وملامسها، يطرح أسئلة جوهرية حول ماهية الفن نفسه خارج التقاليد التي يثور عليها، بدءاً من الشكل الخارجي للوحة الى مضمونها. فالقامة المستطيلة للوحة هي من مجموع لوحتين أو ثلاث متصلة بعضها ببعض في إطار واحد، يوحي مظهرها بالجدار، في حين أنها تبدو كحقل اختبار من متنها إلى هامشها، ومن سطحها إلى عمقها الموهوم، بما تحفل به من مواد تعيدنا إلى جمالية الفنون البدائية وإسقاطاتها الوجودية المعاصرة، كما تعيدنا إلى مفهوم فن التجميع الأميركي (روشنبرغ وجونز) وعبارة Merz التي أطلقها كورت شويترز على أعماله التجميعية وأشيائه المتراكمة، ليشير إلى إمكان إدخال أي مادة محتملة مهما كانت، لأنها تمنح على المستوى التقني خيارات واجتهادات تنشأ من مجابهة مادة لمادة أخرى في عملية تشكيل رؤية جديدة للعالم. وهذا النوع من التشييد يحقق مبتغاه في إلغاء المسافة الفاصلة بين الرسم والنحت وبين التشكيل باليد والإمساك بالريشة والتخضيب للّون واللصق للعناصر والأشياء الجاهزة.

 

يشيّد بورجيلي عالمه الطقوسي ومفرداته الطوطمية من حطام الأشياء المهملة، يعود إلى الحجارة مستعيداً الأداة الأولى لعصور ما قبل التاريخ، أداة القطع والحفر على جدران الكهوف والعنصر الأساسي الأول في البناء، وهي تهيمن على معظم التآليف الهندسية الملغّزة التي تدخل فيها إلى جانب قماش القنب ولفائف الشاش والخشب المستعمل بوفرة في التركيب والتجميع، والحبال التي تلعب دوراً متميزاً في ربط عناصر التأليف. لكأن الأشياء المهملة والهامشية التي تدخل في تعريف الفن الفقير، باتت أساسية في استنطاق المخيلة والاجتهاد الاسترجاعي والتوليف الرؤيوي والتشييد الذي يأخذ قوة إمكاناته ومحرضاته من طاقات المواد وملامسها وما تملكه أشكالها الخام من قوة سحرية في آن.

 

يشعر زائر المعرض منذ الوهلة الأولى بوجود ثقل الأشياء المجمّعة والملصّقة، فضلاً عن القوة والخشونة والنتوء. فالنجارة ووسائل البناء تدخل في شكل أساسي في إغناء عالم المحترف الأقرب إلى ورشة فن.

 

وقد تبدو «موضوعات تحوت» كشعار أطلقه الفنان على المعرض، مستترة للغاية، لبعدها من التيمات التي تتطرق اليها الأعمال، لا سيما أنها تحمل عناوين شعرية قريبة من مفارقات الدادا.

 

غير أن الوجه الاستعاري لرمز قدماء المصريين «تحوت» واهب الصور المقدسة - أي الهيروغليفية - وجودها وحامي الهندسة والعلوم، يتجلى في عمل تجهيزي مؤلف من قطعتين تستذكران الطقوس الجنائزية المصرية القديمة: إذ يظهر على اللوحة رسمٌ لكائن غامض الوجه يشبه المومياء، وتتموضع على صدره، بدلاً من يديه المضمومتين، حبالٌ من القنب بطريقة متصالبة، وفي الصندوق الموضوع أرضاً، ترقد أشياءٌ من محفوظاته، دمى طفولية مكفّنة وعلب خشبية وكؤوس وأكوام حجارة وإناء في داخله زهرة نبتت في غفلة من الزمن أثناء رحلة الميت إلى العالم الآخر. وفي هذه الكينونة الاستذكارية ما من شيء يذكر بالحياة سوى تلك الزهرة الحمراء التي لم يرها صاحبها ولم يقل عنها شيئاً.

«عين زجاجية: هل تقبل المحطبة قرباناً آخر»، هو عنوان لوحة ثلاثية جمع فيها إيلي بورجيلي أغصاناً فجعلها متشابكة كأنه يبني عشاً للعصافير، وبدل ان يهبه للنار كقربان صب فوقه عجينة اللصاق، مما جعلها تتصبّر في ارتقاب العين الحجرية التي تتصدر وجهاً مجهولاً لا يظهر منه غير بضع لطخات لونية من خلف زجاج.

 

ثمة لوحات تجريدية لمشاهد تبدو كأنها مأخوذة من منظور علوي، حيث يبدو مسطح الأرض على شكل مربعات رملية ملونة وأحياناً يتبعثر الرمل في الجهات مثل خرائط مجهولة، تعلن الحبال والأوتاد حدودها، ثم يخيم الليل على رقعات الرمل الشبيهة ببصمات إنسانية داكنة، أو ينقطع الحبل بالحجر الذي يسقط على طاولة حمراء صامتة. فقياس الفراغ هو قياس السقوط نفسه الذي يتراءى في أكثر من عمل يحمل عنوان: هذا لا يدل على شيء».

 

والرمل هو محتوى الصحارى وهو حامل بدائي لأولى الأفكار والتصاميم الهندسية على غرار فن التشكيل على الأرض لدى الهنود الحمر في القارة الأميركية، الذي ألهم التعبيرية التجريدية الأميركية وفن البوب - آرت طرائق جديدة في الاشتغال على سطح اللوحة. ومن أبعاد الماضي - المحدث استوحى بورجيلي في عمل تجميعي بعنوان «حكمة» شخصية رئيس القبيلة، الذي يتجسد على شكل دمية، وتنعقد من حوله الحبال والأوتاد في إشارة إلى عناصر المكان المكون من دائرة كاملة كالقمر فوق هيكل مربع مفتوح عند أحد أضلاعه.

 

وفي عمل مخصص لتكريم الفنان السوريالي سيلفادور دالي، تتراءى في فضاء أزرق غائم، سحلية تجري في القاع وقد تركت ذيلها الطويل على شاربي دالي العملاقين. وفي حين طغى التصميم الهندسي والعقلاني على الأعمال التجميعية في معرض بورجيلي، نجد في المقلب الآخر حرية التلطيخ اللوني والانفعالية الارتجالية تظهر أكثر على الإنتاج الورقي الذي لا يغيب عنه أيضاً هذا الشغف بالمادة.

 

المكان والزمان، الماضي والحاضر، الولادة والموت هي أسرار الوجود، والمادة ما هي إلا ذريعة تبحث عن دوافعها الخفية في النفس، بل إن الأسئلة الحقيقية - كما يقول الفنان إيلي بورجيلي - تطرح نفسها في الفن وكل الباقي يتكيف مع اليومي.

The link of the paper online